الســعـــيد أبــوالنجـــــا
فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Ade5ee482193c49
انت لم تشترك معنا
لرؤيه المواضيع والمشاركه قم بالتسجيل معنا
الســعـــيد أبــوالنجـــــا
فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Ade5ee482193c49
انت لم تشترك معنا
لرؤيه المواضيع والمشاركه قم بالتسجيل معنا
الســعـــيد أبــوالنجـــــا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الســعـــيد أبــوالنجـــــا

الموقع الرسمى للمهندس السعيد ماهر أبوالنجا
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا ومرحبا بكم۩ فى الموقع الرسمى للمهندس السعيد أبوالنجا۩ نتمنى لكم وقت ممتع ومفيد ^_^

 

 فــــــــــــــــــــى بـــــــــــــطـــــــــــن الحــــــوت ــــــ د_ مــحــمـــد العــــريـــــــــــفــــــــــى

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
eng_mohamed
مهندس نشط
مهندس نشط
avatar


تاريخ التسجيل : 24/11/2009
عدد المساهمات : 24
فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى E8s7dt

فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Empty
مُساهمةموضوع: فــــــــــــــــــــى بـــــــــــــطـــــــــــن الحــــــوت ــــــ د_ مــحــمـــد العــــريـــــــــــفــــــــــى   فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Icon_minitimeالسبت نوفمبر 28, 2009 1:07 am

.. في بَطْنِ الحُوْتِ ..

د.محمد بن عبد الرحمن العريفي




* * * * * * * * *
.. سارة..

الإشارة حمراء .. والطريق مليء بالسيارات .. .لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق ..
تباً لهذه الإشارة إنها طويلة .. يا ليتني كنت في الصف الأول .. لكنت قطعتها ..
الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات ..
أنظر إلى الساعة حيناً وإلى الإشارة حيناً آخر ..
أضاءت الإشارة اللون الأخضر .. ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع .. تحركت السيارات .. تجاوزت الأول ..كدت اصطدم بالثاني .. قيادتي للسيارة أفزعت من حولي..
حاولت أن أسرع .. لكنني لم أستطع ..
مضى الوقت.. وضاع الموعد.. ولم أجد الأصدقاء .. لقد ذهبوا..
إلى أين أذهب ؟.. احترت في الإجابة .. أطلقت زفرة من صدري .. ياليتني كنت أعرف مكانهم..
السيارة تمضي بهدوء .. انطلقت أفكر .. أيقظني منبه سيارة أخرى .. نظرت إلى صاحب السيارة بغضب .. وأشرت إليه بيدي .. تمهل الدنيا لن تطير .. ونسيت حالي قبل دقائق..
قررت أن أقضي السهرة في البيت .. إنها فكرة جيده .. فابنتي الوحيدة مريضة .. والأفضل أن أكون قريباً منها..
أوقفت السيارة أمام محل الفيديو .. نزلت إلى المحل .. اخترت عدة أفلام .. وانطلقت إلى المنزل..
فتحت الباب .. ناديت على زوجتي .. احضري الشاهي والمكسرات..
دخلت إلى الغرفة .. "يالها من زوجة معقدة" .. الآن ستقول لي:"اتق الله يا أحمد".. لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها.. لكنها زوجة مطيعة.. طيبة.. تشقى من أجل سعادتي..
دخلت ومعها الشاهي والمكسرات.. ابتسمت في وجهي .. قالت : لابد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت..
قلت : نعم .. تعالي واجلسي .. فرِحت وهمت أن تجلس ..
وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز .. فانطلقت الموسيقى الصاخبة ..
أرخت المسكينة رأسها وقالت : اتق الله يا أحمد.. وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة.. فهي لا تسمع الموسيقى ..
ارتفعت الأصوات في الغرفة .. موسيقى .. صراخ .. ضحكات.. وانطلقت أشرب الشاهي .. وأتناول المكسرات .. وعيناي قد تسمرتا في شاشة التلفاز..
انتهى الشريط الأول .. والشريط الثاني ..
الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ..
فجأة .. مقبض الباب يتحرك ببطء .. صرخت : ماذا تريدين ؟ .. لم أسمع جواباً..
انفتح الباب.. دخلت ابنتي المريضة ..
فاجأني الموقف .. سكت برهة ولم أتكلم ..
اقتربت مني .. نظرت إليَّ بهدوووء .. ثم قالت : اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا ..
ثم انصرفت وأغلقت الباب..
ناديتها .. سارة .. سارة .. لم تجب .. انطلقت خلفها..
لا أكاد أصدق..هل هذه ابنتي ؟..
فتحت باب الغرفة.. وجدتها سبقتني إلى فراشها .. ونامت في حضن أُمها.. إنها هي..
عدت إلى غرفة الجلوس .. أغلقت جهاز الفيديو .. صوت ابنتي يملأ الغرفة .. اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا ..
قشعريرة سرت في جسدي .. تصبب العرق من رأسي..
لا أدري ماذا أصابني ..
ما عدت أسمع إلا صوتها .. ولا أرى إلا صورتها .. كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد .. ترك صلاة .. معاصٍ .. دخان .. أفلام خليعة ..
أيقظتني من الغفلة.. تسارعت نبضات قلبي .. وألقيت بجسدي على الأرض..
حاولت أن أنام .. لكنني لم أستطع .. مضى الوقت سريعاً ..
صور من الماضي استعرضتها أمامي .. ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد .. اتق الله .. اتق الله ..
وهنا .. ارتفع صوت الأذان .. اهتزت جوانحي .. ارتعدت فرائصي ..
رعشة سرت في أطرافي .. جعل يردد : " الصلاة خيرٌ من النوم " .. قلت : صدقت .. الصلاة خير من النوم .. أوووه .. لقد كنت نائماً كل هذه السنين..
توضأت وخرجت إلى المسجد .. مشيت في الطريق وكأني لا أعرفه ..
كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟ ..
وطيور السماء تقول : مرحباً بالنائم الذي استيقظ أخيراً..
دخلت المسجد .. صليت ركعتين .. وجلست اقرأ القرآن ..
تلعثمت في القراءة ..
منذ زمن لم أقرأ القرآن ..
شعرت أن القرآن يسألني : لم هجرتني منذ سنوات .. ألستُ كلام ربك ..
أخذت أردد في سورة الزمر : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) .. عجباً .. جميعاً .. ما أرحم الله بنا ..
تمنيت أن استمر في القراءة .. لكن المؤذن .. أقام الصلاة .. تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس .. وقفت في الصف .. وكأنني غريب..
انتهت الصلاة..جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس ..
عدت إلى البيت.. فتحت باب الغرفة .. ألقيت نظرة على زوجتي وسارة ..
كانتا نائمتين .. تركتهما وخرجت إلى العمل ..
ليس من عادتي الذهاب مبكراً إلى العمل ..
تفاجأ الزملاء بوجودي ..
انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية ..
لم أبال بما يقولون.. تسمرت عيناي على الباب .. أنتظر قدوم إبراهيم ..
زميلي في المكتب .. والذي طالما نصحني ..
إنه شخص طيب الأخلاق .. حسن المعاملة ..
حضر إبراهيم .. فقمت من مكاني استقبله.. لم يصدق عينيه ..
سألني : أنت أحمد ؟!!..
قلت : نعم .. جذبت يده .. وقلت : أريد أن أحدثك ..
قال : لا بأس .. نتحدث في المكتب .. قلت : لا .. نذهب إلى الاستراحة..
صمت إبراهيم .. وراح يصغي لكلماتي .. حدثته بحديث البارحة ..
أمتلأت عيناه بالدموع .. وابتسم ابتسامة عريضه .. قال لي :
ذاك نور أضاء قلبك فلا تطفئه بظلمة المعاصي..
كان يوماً حافلاً بالنشاط والجدية .. رغم أني لم أنم منذ البارحة ..
ابتسامة تعلو وجهي .. تفانٍ في العمل ..
المراجعون يتجهون نحوي .. يطلبون مني مساعدتهم .. بعضهم قال لي :
ما هذا النشاط؟!..أجبته : إنها صلاة الفجر في المسجد..
مسكين إبراهيم .. كان يتحمل العبء الأكبر من العمل .. أما أنا فقد كنت أنام ..
لم يشتك ولم يتذمر .. ياله من إنسان طيب ..
نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوته القلوب..
مضى الوقت ولم أشعر بالتعب والإرهاق ..
قال لي إبراهيم : أحمد .. يجب أن تذهب إلى البيت .. فإنك لم تنم منذ البارحة .. وسأقوم بعملك ..
نظرت إلى الساعة .. لم يبق على أذان الظهر سوى دقائق .. قررت البقاء..
أذن المؤذن .. فسارعت إلى المسجد .. جلست في الصف الأول ..
شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصلاة..
بعد الصلاة انطلقت إلى البيت ..
في الطريق انتابني شعور بالقلق .. يا ترى كيف حال سارة ؟..
شعرت بانقباض .. لا أدري لماذا ؟!
أحسست أن الطريق هذه المرة طويل .. ازداد الخوف .. رفعت رأسي إلى السماء ..
دعوت الله أن يعجل بشفاء ابنتي..
وصلت إلى البيت .. فتحت الباب .. ناديت زوجتي .. لم أسمع جواباً ..
دخلت الغرفة مسرعاً ..
زوجتي منطوية على نفسها تبكي ..
التفتت إليَّ .. صرخت وهي تبكي : لقد ماتت سارة ..
لم أتبين ما تقول .. اندفعت نحو سارة .. ضممتها إلى صدري ..
حاولت حملها .. سقطت يدها نحو الأرض .. جسمها بارد ..
كذلك يداها وقدماها .. نبضها .. أنفاسها .. لم أسمع شيئاً ..
نظرت إلى وجهها .. نورٌ يتلألأ .. كأنه كوكب دري ..
ايقظتها .. حركتها .. هززتها ..
صرخت أمها : سارة .. سارة .. لقد ماتت .. ماتت .. وانخرطت في البكاء..
لم أصدق ما أرى .. كأنه حلم ..
انهمرت الدموع من عيني .. أخذت أشهق ..
أنظر إلى وجهها الجميل .. وشعرها الناعم ..
أقبِّل فمها الصغير .. كأنها تردد الآن : عيب عليك .. عيب عليك .. يا بابا ..
تذكرت أن هذه مصيبة .. أخذت أردد .. لا حول ولا قوة إلا بالله ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
اتصلت بإبراهيم .. قلت له : تعال فوراً .. لقد ماتت سارة ..
النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي ..
انتهين من تغسيلها .. لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء ..
نادتني زوجتي ..
دخلت كي أودع سارة الوداع الأخير .. كدت أسقط على الأرض .. تماسكت ..
قبلتها على جبينها ..
عاهدتها على الثبات حتى الممات .. نظرت إلى أمها .. فإذا هي زائغة العينين .. شاحبة الوجه .. تنتفض ..
قلت لها : لا تحزني .. فقد ذهبت إلى الجنة بإذن الله .. هناك سنلتقي .. فشمري كي تشفع لنا ..
ثم قرأت قوله تعالى : {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كل امرئٍ بما كسب رهين}..
بكت الأم وبكيت أنا..
صلينا عليها صلاة الجنازة .. ثم سرنا بها إلى المقبرة ..
أنظر إلى الجنازة وكأنني أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي..
وصلنا المقبرة .. المكان موحش .. مخيف .. توجهنا إلى القبر ..
وقفت على شفير القبر .. هنا سأضع ابنتي .. أمسك إبراهيم بكتفي وقال : اصبر يا أحمد..
نزلت إلى القبر ..
إنها دارك يا أحمد .. ربما اليوم وربما غداً..
ماذا أعددت لهذه الدار ..
ناداني إبراهيم : أحمد خذ البنت .. وضعتها على صدري .. وددت لو أدفنها فيه ..
ضممتها .. قبلتها ..
ثم وضعتها على شقها الأيمن .. وقلت : بسم الله وعلى ملة رسول الله ..
صففت اللبن .. سددت كل المنافذ ..
خرجت من القبر .. بدأ الناس يهيلون التراب .. لم أملك دموعي..


* * * * * * * * * *

.. ذكريات تائب..(كعب بن مالك)

هو شيخ كبير .. نجلس إليه .. بعدما كبر سنه .. ورق عظمه .. وكف بصره ..
وهو يحكي ذكريات شبابه ..
نجلس إلى كعب بن مالك رضي الله عنه ..
وهو يحكي ذكرياته .. في تخلفه عن غزوة تبوك ..
وكانت آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم ..
آذن النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم ..
وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش .. حتى بلغ عدد الجيش ثلاثين ألفاً ..
وذلك حين طابت الظلال الثمار ..
في حر شديد .. وسفر بعيد .. وعدو قوي عنيد ..
وكان عدد المسلمين كثيراً .. ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب ..
قال كعب – كما في الصحيحين - :
وأنا أيسر ما كنت .. قد جمعت راحلتين .. وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد ..
وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال .. وطيب الثمار ..
فلم أزل كذلك .. حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً بالغداة ..
فقلت : أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي .. ثم ألحق بهم ..
فانطلقت إلى السوق من الغد .. فعسر علي بعض شأني .. فرجعت ..
فقلت : أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم .. فعسر عليَّ بعض شأني أيضاً ..
فقلت : أرجع غدا إن شاء الله .. فلم أزل كذلك ..
حتى مضت الأيام .. وتخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فجعلت أمشي في الأسواق .. وأطوف بالمدينة ..
فلا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .. أو رجلاً قد عذره الله ..
نعم تخلف كعب في المدينة .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى بأصحابه الثلاثين ألفاً ..
حتى إذا وصل تبوك .. نظر في وجوه أصحابه .. فإذا هو يفقد رجلاً صالحاً ممن شهدوا بيعة العقبة ..
فيقول صلى الله عليه وسلم : ما فعل كعب بن مالك ؟!
فقال رجل : يا رسول الله .. خلفه برداه والنظر في عطفيه ..
فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت .. والله يا نبي الله ما علمنا عليه إلا خيراً ..
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قال كعب :
فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك .. وأقبل راجعاً إلى المدينة .. جعلت أتذكر .. بماذا أخرج به من سخطه .. وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ..
حتى إذا وصل المدينة .. عرفتُ أني لا أنجو إلا بالصدق ..
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .. فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين .. ثم جلس للناس ..
فجاءه المخلفون .. فطفقوا يعتذرون إليه .. ويحلفون له ..
وكانوا بضعة وثمانين رجلاً .. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم .. واستغفر لهم .. ووكل سرائرهم إلى الله ..
وجاءه كعب بن مالك .. فلما سلم عليه .. نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم تبسَّم تبسُّم المغضب ..
ثم قال له : تعال ..
فأقبل كعب يمشي إليه .. فلما جلس بين يديه ..
قال له صلى الله عليه وسلم : ما خلفك .. ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟
قال : بلى ..
قال : فما خلفك ؟!
فقال كعب : يا رسول الله .. إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا .. لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر .. ولقد أعطيت جدلاً ..
ولكني والله لقد علمت .. أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي .. ليوشكن الله أن يسخطك علي ..
ولئن حدثتك حديث صدق .. تجد عليَّ فيه .. إني لأرجو فيه عفوَ الله عني ..
يا رسول الله .. والله ما كان لي من عذر ..
والله ما كنت قط أقوى .. ولا أيسر مني حين تخلفت عنك ..
ثم سكت كعب ..
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه .. وقال :
أما هذا .. فقد صدقكم الحديث .. فقم .. حتى يقضي الله فيك ..
فقام كعب يجر خطاه .. وخرج من المسجد .. مهموماً مكروباً .. لا يدري ما يقضي الله فيه ..
فلما رأى قومه ذلك .. تبعه رجال منهم .. وأخذوا يلومونه .. ويقولون :
والله ما نعلمك أذنبت ذنباً قط .. قبل هذا .. إنك رجل شاعر ..
أعجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون ..
هلا اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه .. ثم يستغفر لك .. فيغفر الله لك ..
قال كعب :
فلم يزالوا يؤنبونني .. حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي ..
فقلت : هل لقي هذا معي أحد ؟
قالوا : نعم .. رجلان قالا مثل ما قلت.. فقيل لهما مثل ما قيل لك ..
قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع .. وهلال بن أمية ..
فإذا هما رجلان صالحان قد شهدا بدراً.. لي فيهما أسوة ..
فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبداً .. ولا أكذب نفسي ..

* * * * * * * * *

ثم مضى كعب رضي الله عنه .. حزيناً .. كسير النفس.. وقعد في بيته ..
فلم يمضِ وقت .. حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلام كعب وصاحبيه ..
قال كعب :
فاجتنبنا الناس .. وتغيروا لنا .. فجعلت أخرج إلى السوق .. فلا يكلمني أحد ..
وتنكر لنا الناس .. حتى ما هم بالذين نعرف ..
وتنكرت لنا الحيطان .. حتى ما هي بالحيطان التي نعرف ..
وتنكرت لنا الأرض .. حتى ما هي بالأرض التي نعرف ..
فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان .. جعلا يبكيان الليل والنهار .. ولا يطلعان رؤوسهما .. ويتعبدان كأنهما الرهبان ..
وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم .. فكنت أخرج .. فأشهد الصلاة مع المسلمين .. وأطوف في الأسواق .. ولا يكلمني أحد ..
وآتي المسجد فأدخل ..
وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ..
فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه .. فأسارقه النظر .. فإذا أقبلت على صلاتي .. أقبل إلي ..
وإذا التفتُّ نحوه .. أعرض عني ..

* * * * * * * * *

ومضت على كعب الأيام .. والآلام تلد الآلام ..
وهو الرجل الشريف في قومه ..
بل هو من أبلغ الشعراء .. عرفه الملوك والأمراء ..
وسرت أشعاره عند العظماء .. حتى تمنوا لقياه ..
ثم هو اليوم .. في المدينة .. بين قومه .. لا أحد يكلمه .. ولا ينظر إليه ..
حتى .. إذا اشتدت عليه الغربة .. وضاقت عليه الكربة .. نزل به امتحان آخر :
فبينما هو يطوف في السوق يوماً ..
إذا رجل نصراني جاء من الشام ..
فإذا هو يقول : من يدلني على كعب بن مالك .. ؟
فطفق الناس يشيرون له إلى كعب .. فأتاه .. فناوله صحيفة من ملك غسان ..
عجباً !! من ملك غسان ..!!
إذاً قد وصل خبره إلى بلاد الشام .. واهتم به ملك الغساسنة .. فماذا يريد الملك ؟!!
فتح كعب الرسالة فإذا فيها ..
أما بعد .. يا كعب بن مالك .. إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ..
ولست بدار مضيعة ولا هوان .. فالحق بنا نواسك ..
فلما أتم قراءة الرسالة .. قال رضي الله عنه : إنا لله .. قد طمع فيَّ أهل الكفر ..
هذا أيضاً من البلاء والشر ..
ثم مضى بالرسالة فوراً إلى التنور .. فأشعله ثم أحرقها فيه ..
ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك ..
نعم فُتح له باب إلى بلاط الملوك .. وقصور العظماء .. يدعونه إلى الكرامة والصحبة ..
والمدينة من حوله تتجهمه .. والوجوه تعبس في وجهه ..
يسلم فلا يرد عليه السلام ..
ويسأل فلا يسمع الجواب ..
ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار ..
ولم يفلح الشيطان في زعزعته .. أو تعبيده لشهوته ..
ألقى الرسالة في النار .. وأحرقها ..

* * * * * * * * *

ومضت الأيام تتلوها الأيام .. وانقضى شهر كامل .. وكعب على هذا الحال ..
والحصار يشتد خناقه .. والضيق يزداد ثقله ..
فلا الرسول صلى الله عليه وسلم يُمضي .. ولا الوحي بالحكم يقضي ..
فلما اكتملت أربعون يوماً ..
فإذا رسول من النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى كعب .. فيطرق عليه الباب ..
فيخرج كعب إليه .. لعله جاء بالفرج .. فإذا الرسول يقول له :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ..
قال : أطلقها .. أم ماذا ؟
قال : لا .. ولكن اعتزلها ولا تقربها ..
فدخل كعب على امرأته وقال : الحقي بأهلك ..
فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ..
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحبي كعب بمثل ذلك ..
فجاءت امرأة هلال بن أمية .. فقالت :
يا رسول الله .. إن هلال بن أمية شيخ كبير ضعيف .. فهل تأذن لي أن أخدمه ..؟
قال : نعم .. ولكن لا يقربنك ..
فقالت المرأة : يا نبي الله .. والله ما به من حركة لشيء ..
ما زال مكتئباً .. يبكي الليل والنهار .. منذ كان من أمره ما كان ..

* * * * * * * * *

ومرت الأيام ثقيلة على كعب ..واشتدت الجفوة عليه ..حتى صار يراجع إيمانه ..
يكلم المسلمين ولا يكلمونه ..
ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يرد عليه ..
فإلى أين يذهب ..!! ومن يستشير !؟
قال كعب رضي الله عنه :
فلما طال عليَّ البلاء .. ذهبت إلى أبي قتادة .. وهو ابن عمي .. وأحب الناس إليَّ .. فإذا هو في حائط بستانه .. فتسورت الجدار عليه ..
ودخلت .. فسلمت عليه ..
فوالله ما رد علي السلام ..
فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فسكت ..
فقلت : يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فسكت ..
فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فقال : الله ورسوله أعلم ..
سمع كعب هذا الجواب .. من ابن عمه وأحب الناس إليه .. لا يدري أهو مؤمن أم لا ؟
فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه .. وفاضت عيناه بالدموع ..
ثم اقتحم الحائط خارجاً ..
وذهب إلى منزله .. وجلس فيه ..
يقلب طرفه بين جدرانه .. لا زوجة تجالسه .. ولا قريب يؤانسه ..
وقد مضت عليهم خمسون ليلة .. من حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم
..
* * * * * * * * *
وفي الليلة الخمسين .. نزلت توبتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الليل..
فقالت أم سلمه رضي الله عنها :
يا نبي الله.. ألا نبشر كعب بن مالك ..
قال : إذا يحطمكم الناس .. ويمنعونكم النوم سائر الليلة ..
فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر .. آذن الناس بتوبة الله علينا ..
فانطلق الناس يبشرونهم ..
قال كعب :
وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا ..
فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى .. قد ضاقت علي نفسي .. وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت ..
وما من شيء أهم إليّ .. من أن أموت .. فلا يصلي عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .. أو يموت .. فأكون من الناس بتلك المنزلة .. فلا يكلمني أحد منهم .. ولا يصلي عليَّ ..
فبينما أنا على ذلك ..
إذ سمعت صوت صارخ .. على جبل سلع بأعلى صوته يقول :
يا كعب بن مالك ! .. أبشر ..
فخررت ساجداً .. وعرفت أن قد جاء فرج من الله ..
وأقبل إليَّ رجل على فرس .. والآخر صاح من فوق جبل ..
وكان الصوت أسرع من الفرس ..
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني .. نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه ..
والله ما أملك غيرهما ..
واستعرت ثوبين .. فلسبتهما ..
وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتلقاني الناس فوجاً .. فوجاً ..
يهنئوني بالتوبة .. يقولون : ليهنك توبة الله عليك ..
حتى دخلت المسجد .. فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وهو يبرق وجهه من السرور .. وكان إذا سُرَّ استنار وجهه .. حتى كأنه قطعة قمر ..
فقال لي : أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك ..
قلت : أمن عندك يا رسول الله .. أم من عند الله ؟
قال : لا .. بل من عند الله .. ثم تلا الآيات ..
فلما جلست بين يديه ..
قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله .. وإلى رسوله ..
فقال : أمسك عليك بعض مالك .. فهو خير لك ..
فقلت : يا رسول الله ! إن الله إنما نجاني بالصدق .. وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت ..
نعم .. تاب الله على كعب وصاحبيه .. وأنزل في ذلك قرءاناً يتلى ..
فقال عز وجل :
{ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ..


* * * * * * * * * *


.. في بطن الحوت ..

كل الناس يذكرون الله عند الشدائد..
لكن منهم من يذكره ويطيعه .. فإذا زالت الشدة عصاه ونساه ..
ومنهم من يستمر صلاحه وتوبته ..
يونس عليه السلام .. دعا قومه إلى الإيمان .. فأعرضوا وتكبروا .. فغضب .. وركب البحر مع سفينة .. فلما ثقلت بهم خافوا أن يغرقوا جميعاً .. فعلموا أنه لا بد أن يخففوا الحمل بإلقاء أحد ركابها إلى البحر .. عملوا القرعة مراراً فوقعت على يونس .. ألقوه في البحر .. فالتقمه الحوت .. ثم نزل به إلى الأعماق ..
كل شيء حدث بسرعة .. يونس في الظلمات ..
تسمع حوله .. فإذا به يسمع تسبيح الحصى الذي في قعر البحر ..
فانتفض .. ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ..
فقرعت كلماته أبواب السماء .. فنزل عليه الفرج ..
هذا خبر يونس النبي عليه الصلاة والسلام ..
أما يونس اليوم فيقول :
كنت شاباً أظن أن الحياة .. مال وفير .. وفراش وثير .. ومركب وطيء ..
وكان يوم جمعة .. جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ ..
وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة ..
سمعت النداء حي على الصلاة .. حي على الفلاح ..
أقسم أني سمعت الأذان طوال حياتي .. ولكني لم أفقه يوماً معنى كلمة فلاح ..
طبع الشيطان على قلبي .. حتى صارت كلمات الأذان كأنها تقال بلغة لا أفهمها ..
كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم .. ويجتمعون للصلاة ..
ونحن كنا نجهز عدة الغوص وأنابيب الهواء ..
استعداداً لرحلة تحت الماء..
لبسنا عدة الغوص .. ودخلنا البحر .. بعدنا عن الشاطئ ..
حتى صرنا في بطن البحر ..
كان كل شيء على ما يرام .. الرحلة جميلة ..
وفي غمرة المتعة .. فجأة تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم .. ولتمده بالهواء من الأنبوب .. وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي .. وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي... وبدأت أموت ..
بدأت رئتي تستغيث وتنتفض .. تريد هواء .. أي هواء ..
أخذت اضطرب .. البحر مظلم .. رفاقي بعيدون عني ..
بدأت أدرك خطورة الموقف .. إنني أموت ..
بدأت أشهق .. وأشرق بالماء المالح..
بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيني ..
مع أول شهقة .. عرفت كم أنا ضعيف ..
بضع قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني أنه هو القوي الجبار ..
آمنت أنه لا ملجأ من الله إلا إليه... حاولت التحرك بسرعة للخروج من الماء .. إلا أني كنت على عمق كبير ..
ليست المشكلة أن أموت .. المشكلة كيف سألقى الله ؟!
إذا سألني عن عملي .. ماذا سأقول ؟
أما ما أحاسب عنه .. الصلاة .. وقد ضيعتها ..
تذكرت الشهادتين .. فأردت أن يختم لي بهما ..
فقلت أشهـ .. فغصَّ حلقي .. وكأن يداً خفية تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها ..
حاولت جاهداً .. أشهـ .. أشهـ .. بدأ قلبي يصرخ : ربي ارجعون .. ربي ارجعون .. ساعة .. دقيقة .. لحظة .. ولكن هيهات..
بدأت أفقد الشعور بكل شيء .. أحاطت بي ظلمة غريبة ..
هذا آخر ما أتذكر ..
لكن رحمة ربي كانت أوسع ..
فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى ..
انقشعت الظلمة .. فتحت عيني .. فإذا أحد الأصحاب ..
يثبت خرطوم الهواء في فمي ..
ويحاول إنعاشي .. ونحن مازلنا في بطن البحر ..
رأيت ابتسامة على محياه .. فهمت منها أنني بخير ..
عندها صاح قلبي .. ولساني .. وكل خلية في جسدي ..
أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمد رسول الله .. الحمد لله ..
خرجت من الماء .. وأنا شخص أخر ..
تغيرت نظرتي للحياة ..
أصبحت الأيام تزيدني من الله قرباً .. أدركت سرَّ وجودي في الحياة .. تذكرت قول الله ( إلا ليعبدون ) ..
صحيح .. ما خلقنا عبثاً ..
مرت أيام .. فتذكرت تلك الحادثة ..
فذهبت إلى البحر .. ولبست لباس الغوص ..
ثم أقبلت إلى الماء .. وحدي وتوجهت إلى المكان نفسه في بطن البحر ..
وسجدت لله تعالى سجدة ما أذكر اني سجدت مثلها في حياتي ..
في مكان لا أظن أن إنساناً قبلي قد سجد فيه لله تعالى ..
عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته اللهم أمين ..


* * * * * * * * * *





وغدراتي وفجراتي !!

ربنا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا ..
ومن سعة رحمته .. أنه عرض التوبة على كل أحد ..
مهما أشرك العبد وكفر .. أو طغى وتجبر ..
فإن الرحمة معروضة عليه .. وباب التوبة مشرع بين يديه ..
وانظر إلى ذاك الشيخ الهرم .. الذي .. كبر سنه .. وانحنى ظهره .. ورق عظمه ..
أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو جالس بين أصحابه يوماً ..
يجر خطاه .. وقد سقط حاجباه على عينيه .. وهو يدّعم على عصا ..
جاء يمشي .. حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال بصوت تصارعه الآلام ..
يا رسول الله .. أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها .. فلم يترك منها شيئاً ..
وهو في ذلك لم يترك حاجة .. ولا داجة .. أي صغيرة ولا كبيرة .. إلا أتاها ..
لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم .. فهل لذلك من توبة ؟
فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره إليه .. فإذا شيخ قد انحنى ظهره .. واضطرب أمره ..
قد هده مر السنين والأعوام .. وأهلكته الشهوات والآلام ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : فهل أسلمت ؟
قال : أما أنا .. فأشهد أن لا إله إلا الله.. وأنك رسول الله..
فقال صلى الله عليه وسلم: تفعل الخيرات.. وتترك السيئات .. فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ..
فقال الشيخ : وغدراتي .. و فجراتني ..
فقال : نعم ..
فصاح الشيخ : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ..
فما زال يكبر حتى توارى عنهم ..
الحديث : رواه الطبراني والبزار ، وقال المنذري : إسناده جيد قوي ،وقال ابن حجر هو على شرط الصحيح .

* * * * * * * * * *

هل تطرحه في النار ؟!

الله أرحم بعباده .. من آبائهم وأمهاتهم ..
في الصحيحين :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من حرب هوازن .. أُتي إليه بعد المعركة .. بأطفال الكفار ونسائهم .. ثم جمعوا في مكان ..
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم .. فإذا امرأة من السبي .. أم ثكلى .. تجر خطاها .. تبحث عن ولدها .. وفلذة كبدها ..
قد اضطرب أمرها .. وطار صوابها .. واشتدّ مصابها ..
تطوف على الأطفال الرضع .. تنظر في وجوههم .. يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه ..
تتمنى لو أن طفلها بين يديها .. تضمه ضمة .. وتشمه شمة .. ولو كلفها ذلك حياتها ..
فبينما هي على ذلك ..
إذ وجدت ولدها .. فلما رأته جف دمعها .. وعاد صوابها ..
ثم انكبت عليه .. وانطرحت بين يديه .. وقد رحمت جوعه وتعبه .. وبكاءه ونصبه ..أخذت تضمه وتقبله ..
ثم ألصقته بصدرها .. وألقمته ثديها ..
فنظر الرحيم الشفيق إليها .. وقد أضناها التعب .. وعظم النصب ..
وقد طال شوقها إلى ولدها .. واشتد مصابه ومصابها ..
فلما رأى ذلها .. وانكسارها .. وفجيعتها بولدها ..
التفت إلى أصحابه ثم قال :
أتُرَون هذه .. طارحة ولدها في النار.. يعني لو أشعلنا ناراً وأمرناها أن تطرح ولدها فيها.. أترون أنها ترضى ..
فعجب الصحابة الكرام : كيف تطرحه في النار .. وهو فلذة كبدها .. وعصارة قلبها ..كيف تطرحه .. وهي تلثمه .. وتقبله .. وتغسل وجهه بدموعها .. كيف تطرحه ..
وهي الأم الرحيمة .. والوالدة الشفيقة ..
قالوا : لا .. والله .. يا رسول الله.. لا تطرحه في النار .. وهي تقدر على أن لا تطرحه..
فقال صلى الله عليه وسلم: والله.. لله.. أرحم بعباده من هذه بولدها ..


* * * * * * * * * *

.. في المستشفى ..

• دخلت على مريض في المستشفى .. فلما أقبلت إليه .. فإذا رجل قد بلغ من العمر أربعين سنة .. من أنضر الناس وجهاً .. وأحسنهم قواماً ..
لكن جسده كله مشلولٌ لا يتحرك منه ذرة .. إلا رأسه وبعض رقبته ..
دخلت غرفته .. فإذا جرس الهاتف يرن .. فصاح بي وقال : يا شيخ أدرك الهاتف قبل أن ينقطع الاتصال ..
فرفعت سماعة الهاتف ثم قربتها إلى أذنه ووضعت مخدة تمسكها .. وانتظرت قليلاً حتى أنهى مكالمته .. ثم قال : يا شيخ .. أرجع السماعة مكانها ..
فأرجعتها مكانها .. ثم سألته : منذ متى وأنت على هذا الحال ؟
فقال : منذ عشرين سنة .. وأنا أسير على هذا السرير ..

• وحدثني أحد الفضلاء أنه مر بغرفة في المستشفى .. فإذا فيها مريض يصيح بأعلى صوته .. ويئن أنيناً يقطع القلوب ..
قال صاحبي : فدخلت عليه .. فإذا هو جسده مشلولٌ كله ..
وهو يحاول الالتفات فلا يستطيع ..
فسألت الممرض عن سبب صياحه .. فقال :
هذا مصاب بشلل تام .. وتلف في الأمعاء .. وبعد كل وجبة غداء أو عشاء .. يصيبه عسر هضم ..
فقلت له : لا تطعموه طعاماً ثقيلاً .. جنبوه أكل اللحم.. والرز..
فقال الممرض : أتدري ماذا نطعمه .. والله لا ندخل إلى بطنه إلا الحليب من خلال الأنابيب الموصلة بأنفه ..
وكل هذه الآلام .. ليهضم هذا الحليب ..

• وحدثني آخر أنه مرّ بغرفة مريض مشلول أيضاً .. لا يتحرك منه شيء أبداً ..
قال : فإذا المريض يصيح بالمارين .. فدخلت عليه ..
فرأيت أمامه لوح خشب عليه مصحف مفتوح .. وهذا المريض منذ ساعات .. كلما انتهى من قراءة الصفحتين أعادهما .. فإذا فرغ منهما أعادهما .. لأنه لا يستطيع أن يتحرك ليقلب الصفحة .. ولم يجد أحداً يساعده ..
فلما وقفت أمامه .. قال لي : لو سمحت .. اقلب الصفحة ..
فقلبتها .. فتهلل وجهه .. ثم وجّه نظره إلى المصحف وأخذ يقرأ ..
فانفجرت باكياً بين يديه .. متعجباً من حرصه وغفلتنا ..

• وحدثني ثالث أنه دخل على رجل مقعد مشلول تماماً في أحد المستشفيات .. لا يتحرك إلا رأسه ..
فلما رأى حاله .. رأف به وقال : ماذا تتمنى ..
فقال المريض .. أنا عمري قرابة الأربعين .. وعندي خمسة أولاد ..
وعلى هذا السرير .. منذ سبع سنين .. لا أتمنى أن أمشي .. ولا أن أرى أولادي .. ولا أن أعيش مثل الناس ..
لكنني أتمنى أني أستطيع أن ألصق هذه الجبهة على الأرض ذلة لرب العالمين .. وأسجد كما يسجد الناس ..

• وأخبرني أحد الأطباء أنه دخل في غرفة الإنعاش على مريض .. فإذا شيخ كبير .. على سرير أبيض وجهه يتلألأ نوراً .. قال صاحبي : أخذت أقلب ملفه .. فإذا هو قد أجريت له عملية في القلب .. أصابه نزيف خلالها .. مما أدى إلى توقف الدم عن بعض مناطق الدماغ .. فأصيب بغيبوبة تامة ..
وإذا الأجهزة موصلة به .. وقد وضع على فمه جهاز للتنفس الصناعي يدفع إلى رئتيه تسعة أنفاس في الدقيقة .. كان بجانبه أحدُ أولاده ..سألته عنه
فأخبرني أن أباه مؤذن في أحد المساجد منذ سنين ..
أخذت أنظر إليه .. حركت يده .. حركت عينه .. كلمته .. لا يدري عن شيء أبداً..
كانت حالته خطيرة ..
اقترب ولده من أذنه وصار يكلمه .. وهو لا يعقل شيئاً ..
فبدأ الولد يقول .. يا أبي .. أمي بخير .. وإخواني بخير .. وخالي رجع من السفر ..
واستمر الولد يتكلم ..
والأمر على ما هو عليه .. الشيخ لا يتحرك .. والجهاز يدفع تسعة أنفاس في الدقيقة ..
وفجأة قال الولد .. والمسجد مشتاق إليك .. ولا أحد يؤذن فيه إلا فلان .. ويخطئ في الأذان .. ومكانك في المسجد فارغ ..
فلما ذكر المسجد والأذان .. اضطرب صدر الشيخ .. وبدأ يتنفس .. فنظرت إلى الجهاز فإذا هو يشير إلى ثمانية عشر نفساً في الدقيقة ..
والولد لا يدري ..
ثم قال الولد : وابن عمي تزوج .. وأخي تخرج ..
فهدأ الشيخ مرة أخرى .. وعادت الأنفاس تسعة .. يدفعها الجهاز الآلي ..
فلما رأيت ذلك أقبلت إليه .. حتى وقفت عند رأسه .. حركت يده .. عينه .. هززته .. لا شيء .. كل شيء ساكن .. لا يتجاوب معي أبداً .. تعجبت ..
قربت فمي من أذنه ثم قلت : الله أكبرررر .. حي على الصلاة .. حي على الفلاح ..
وأنا أسترق النظر إلى جهاز التنفس.. فإذا به يشير إلى ثمان عشرة نفس في الدقيقة ..
فلله درهم من مرضى.. بل والله نحن المرضى..
نعم .. ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ..
هذا حال أولئك المرضى ..
فأنت يا سليماً من الأمراض والأسقام .. يا معافىً من الأدواء والأورام ..
يا من تتقلب في النعم .. ولا تخشى النقم ..
ماذا فعل الله بك فقابلته بالعصيان .. بأي شيء آذاك .. أليست نعمه عليك تترى .. وأفضاله عليك لا تحصى ؟
أما تخاف .. أن توقف بين يدي الله غداً ..
فيقول لك .. يا عبدي ألم أصح لك في بدنك .. وأوسع عليك في رزقك ..
وأسلم لك سمعك وبصرك .. فتقول بلى .. فيسألك الجبار :
فلم عصيتني بنعمي .. وتعرضت لغضبي ونقمي ..
فعندها تنشر في الملأ عيوبك .. وتعرض عليك ذنوبك ..
فتباً للذنوب .. ما أشد شؤمها .. وأعظم خطرها ..
وهل أخرج أبانا من الجنة إلا ذنب من الذنوب ..
وهل أغرق قوم نوح إلا الذنوب ..
وهل أهلك عاداً وثمود إلا الذنوب ..
وهل قلب على قوم لوط ديارهم .. وعجل لقوم شعيب عذابهم ..
وأمطر على أبرهة حجارة من سجيل .. وأنزل بفرعون العذاب الوبيل ..
إلا المعاصي والذنوب ..


* * * * * * * * * *

.. الجبال الراسيات..

في أول بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو إلى الإسلام في مكة سراً .. وكان المسلمون يختفون بدينهم ..
فلما تكامل عددهم ثمانية وثلاثين رجلاً ..
ألحَّ أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور ..
فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر .. إنا قليل ..
فلم يزل أبو بكر يلح عليه حتى خرج صلى الله عليه وسلم .. إلى المسجد .. وخرج المسلمون معه.. وتفرقوا في نواحي المسجد .. كل رجل في عشيرته..
وقام أبو بكر في الناس خطيباً .. فكان أول خطيب دعا إلى الله .. فلما رأى المشركون من يسفه آلهتهم .. ويتنقص دينهم ..
ثاروا على أبي بكر وعلى المسلمين ..
فجعلوا يضرِبونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً ..
وأبو بكر يجهر بالدين .. فأحاط به جمع منهم ..
فضربوه .. حتى وقع على الأرض .. وهو كهل قد قارب عمره الخمسين سنة ..
ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة .. وجعل يطأ على بطنه وصدره .. ويضربه بنعلين مخصوفين .. ويحرفهما على وجهه .. حتى مزق لحم وجهه .. وجعلت دماؤه تسيل .. حتى ما يعرف وجهه من أنفه .. وأبو بكر مغمى عليه ..
فجاءت قبيلته بنو تيم يتعادون .. ودفعوا المشركين عنه ..
وحملوه في ثوب .. ولا يشكون في موته .. حتى أدخلوه منزله ..
وقعد أبوه وقومه عند رأسه .. يكلمونه فلا يجيب ..
حتى إذا كان آخر النهار .. أفاق .. وفتح عينيه .. فكان أول كلمة تكلم بها ان قال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ؟؟
فغضب أبوه وسبه .. ثم خرج من عنده ..
فقعدت أمه عند رأسه .. تجتهد أن تطعمه أو تسقيه .. وتلحّ عليه ..
وهو يردد : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقالت : والله مالي علم بصاحبك ..
فقال : اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب .. فسليها عنه .. وكانت أم جميل مسلمة تكتم إسلامها ..
فخرجت أمه حتى جاءت أم جميل فقالت :
إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟
فخافت أم جميل أن يكتشفوا إسلامها .. فقالت : ما أعرف أبا بكر .. ولا محمداً .. ولكن إن أحببت مضيت معك إلى ابنك ..
قالت : نعم .. فمضت معها ..
فلما دخلت على أبي بكر .. وجدته صريعاً دنفاً .. ممزق الوجه .. ودماؤه تسيل ..
فبكت وقالت : والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر .. وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم ..
فالتفت إليها أبو بكر .. وما يكاد يطيق .. فقال : يا أم جميل .. ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فنظرت أم جميل إلى أم أبي بكر وكانت لم تسلم بعد .. فخشيت أن تخبر الكفار بأسرار المسلمين ..
فقالت أم جميل لأبي بكر : هذه أمك تسمع ..
قال : فلا شيء عليك منها ..
قالت : رسول الله صلى الله عليه وسلم سالمٌ صالحٌ .. قال : فأين هو ؟
قالت : في دار أبي الأرقم ..
فقالت أمه : قد عرفت خبر صاحبك .. فكل واشرب الآن ..
فقال : لا .. إن لله علي أن لا أذوق طعاماً أو شراباً .. حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأراه بعيني ..
فأمهلتاه .. حتى إذا أظلم الليل .. وهدأ الناس ..
حاول أن يقوم .. فلم يستطع .. خرجت به أمه وأم جميل يتكئ عليهما .. حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام .. أكب عليه يقبله ..
وأكبَّ عليه المسلمون .. ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة ..
وأبو بكر يقول : بأبي وأمي أنت يا رسول الله .. ليس بي من بأس .. إلا ما نال الفاسق من وجهي ..
ثم قال أبو بكر : يا رسول الله .. هذه أمي برة بولدها .. وأنت رجل مبارك .. فادعها إلى الله عز وجل .. وادع الله لها .. عسى الله أن يستنقذها بك من النار ..
فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم دعاها إلى الله .. فأسلمت ..
فانظر إلى هذا الجبل الراسي .. أبي بكر رضي الله عنه .. وتأمل في حرصه على الدعوة إلى الله .. واعجب من قوة ثباته على الدين ..

* * * * * * * * * *

.. قال : معاذ الله ..

كان شاباً فقيراً .. يعمل بائعاً .. يتجول في الطرقات ..
وكانت هي امرأة فارغة .. لا تكف عن التعرض للحرام .. كانت مصيدة للشيطان ..
مرّ ذات يوم بجانب بيتها .. أطلت من طرف الباب وسألته عن بضاعته فأخبرها ..
طلبت منه أن يدخل لترى البضاعة .. فلما دخل أغلقت الباب ..
ثم دعته إلى الحرام .. فصاح بها .. معاذ الله ..

وتذكر حاله عندما تذهب اللذات .. وتبقى الحسرات ..
تذكر يوم تشهد عليها أعضاؤه التي متعتها بالزنا ..
رجله التي مشى بها.. يده التي لمس بها.. لسانه الذي تكلم به..
بل تشهد عليه .. كل ذرة من ذراته .. وكل شعرة من شعراته ..
تذكر حرارة النيران .. وعذاب الرحمن ..

يوم يعلق الزناة في النار.. ويضربون بسياط من حديد .. فإذا استغاث أحدهم من الضرب.. نادته الملائكة : أين كان هذا الصوت وأنت تضحك.. وتفرح.. وتمرح.. ولا تراقب الله ولا تستحي منه..!!

تذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( يا أمة محمد.. والله إنه لا أحد أغير من الله.. أن يزنى عبده.. أو تزني أمته.. يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم.. لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ) ..

تذكر يوم رأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه رجالاً ونساءً عراة في مكان ضيق مثل التنور .. أسفله واسع وأعلاه ضيق .. وهم يصيحون ويصرخون .. وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم .. فإذا أتاهم ذلك اللهب صاحوا من شدة حره .. فقال صلى الله عليه وسلم : من هؤلاء يا جبريل ؟
قال : هؤلاء الزناة و الزواني .. فهذا عذابهم إلى يوم القيامة ..
ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .. نسأل الله العفو والعافية .

قالت له نفسه : افعل وتب .. قال .. أعوذ بالله .. كيف أهتكت ستر ربي.. كيف أنظر إلى امرأة لا تحل لي والله عز وجل من فوقنا .. ينظر إلينا .. كيف نختفي من الخلق .. ونفجر أمام الخالق ..
فبقي ساكناً يفكر في مخرج .. وينظر على الباب ..

فصاحت به الفاجرة : والله إن لم تفعل ما أريده منك صرخت .. فيحضر الناس فأقول : هذا الشاب.. هجم عليَّ في داري .. فما ينتظرك بعدها إلا القتل أو السجن..
فأخذ الشاب العفيف يرتجف .. خوّفها بالله فلم تنزجر ..
فلما رأى ذلك .. فكر في حيلة يتخلص بها ..
فقال : أريد الخلاء .. الحمام .. فأشارت له إليه ..
فلما دخل الخلاء .. نظر إلى نوافذه فإذا هو لا يستطيع الهرب من خلالها ..
ففكر في طريقة يتخلص بها ..
فأقبل على الصندوق الذي يُجمع فيه الغائط ..
وجعل يأخذ منه ويلقي على ثيابه.. ويديه.. وجسده..
ثم خرج إليها.. فلما رأته صاحت .. وألقت في وجهه بضاعته .. وطردته من البيت ..
فمضى يمشي في الطريق .. والصبيان يصيحون وراءه : مجنون.. مجنون..
حتى وصل بيته.. فأزال عنه النجاسة.. واغتسل..
فلم يزل يُشمُّ منه رائحة المسك.. حتى مات..
( ذكر القصة ابن الجوزي في المواعظ ) ..

* * * * * * * * * *

.. ينغمس في أنهارها ..

كان ماعز شاباً من الصحابة .. متزوج في المدينة ..
وسوس له الشيطان يوماً .. وأغراه بجارية لرجل من الأنصار ..
فخلا بها عن أعين الناس .. وكان الشيطان ثالثَهما .. فلم يزل يزين كلاً منهما لصاحبه حتى وقعا في الحرام ..
فلما فرغ ماعز من جرمه .. تخلى عنه الشيطان .. فبكى وحاسب نفسه .. ولامها .. وخاف من عذاب الله .. وضاقت عليه حياته .. وأحاطت به خطيئته .. حتى أحرق الذنب قلبه ..
فجاء إلى طبيب القلوب .. ووقف بين يديه وصاح من حرّ ما يجد وقال :
يا رسول الله .. إن الأبعد قد زنى .. فطهرني ..
فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم .. فجاء من شقه الآخرَ فقال : يا رسول الله .. زنيت .. فطهرني ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ويحك ارجع .. فاستغفر الله وتب إليه ..
فرجع غير بعيد .. فلم يطق صبراً ..
فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله طهرني ..
فقال رسول الله : ويحك .. ارجع فاستغفر الله وتب إليه ..
قال : فرجع غير بعيد .. ثم جاء فقال : يا رسول الله طهرني ..
فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم .. وقال : ويلك .. وما يدريك ما الزنا ؟ ..
ثم أمر به فطرد .. وأخرج ..
ثم أتاه الثانية ، فقال : يا رسول الله ، زنيت .. فطهرني ..
فقال : ويلك .. وما يدريك ما الزنا ؟ ..
وأمر به .. فطُرد .. وأخرج ..
ثم أتاه الثالثةَ .. والرابعةَ كذلك .. فلما أكثر عليه ..
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قومَه : أبه جنون ؟ قالوا : يا رسول الله .. ما علمنا به بأساً ..
فقال : لعله شرب خمراً ؟ فقام رجل فاستنكهه وشمّه فلم يجد منه ريح خمر ..
فقال صلى الله عليه وسلم : هل تدري ما الزنا ؟
قال : نعم .. أتيت من امرأة حراماً ، مثلَ ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فما تريد بهذا القول ؟
قال : أريد أن تطهرني ..
قال صلى الله عليه وسلم : نعم .. فأمر به أن يرجم .. فرجم حتى مات ..
فلما صلوا عليه ودفنوه مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على موضعه مع بعض أصحابه ..
فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه :
انظر إلى هذا .. الذي ستر الله عليه ولم تدعه نفسه حتى رُجم رَجم الكلاب ..
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم سار ساعة .. حتى مر بجيفة حمار .. قد أحرقته الشمس حتى انتفخ وارتفعت رجلاه ..
فقال صلى الله عليه وسلم : أين فلان وفلان ؟
قالا : نحن ذانِ .. يا رسول الله ..
قال : انزلا .. فكلا من جيفة هذا الحمار ..
قالا : يا نبي الله !! غفر الله لك .. من يأكل من هذا ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : ما نلتما .. من عرض أخيكما .. آنفا أشدُّ من أكل الميتة .. لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم .. والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ..
فطوبى .. لماعز بن مالك .. نعم وقع في الزنى .. وهتك الستر الذي بينه وبين ربه ..
لكنه تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم ..

( أصل قصته في الصحيحين وسقتها من مجموع رواياتها ) ..

* * * * * * * * * *


.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
eng_mohamed
مهندس نشط
مهندس نشط
avatar


تاريخ التسجيل : 24/11/2009
عدد المساهمات : 24
فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى E8s7dt

فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Empty
مُساهمةموضوع: رد: فــــــــــــــــــــى بـــــــــــــطـــــــــــن الحــــــوت ــــــ د_ مــحــمـــد العــــريـــــــــــفــــــــــى   فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 30, 2009 11:16 am

شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا

موضوع جميل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
The Mysterious_Eng
مشرفة المنتدى العام
مشرفة المنتدى العام
The Mysterious_Eng


تاريخ التسجيل : 27/11/2009
عدد المساهمات : 179
العمر : 34
القسم : مدنى
البلد : المنصورة
فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى E8s7dt10
فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Ebda4e_43

فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Empty
مُساهمةموضوع: رد: فــــــــــــــــــــى بـــــــــــــطـــــــــــن الحــــــوت ــــــ د_ مــحــمـــد العــــريـــــــــــفــــــــــى   فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 01, 2009 10:35 am

ألف شكر على الموضوع الجميل
و ربنا يبارك فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
the moon girle
مهندس نشط
مهندس نشط
the moon girle


تاريخ التسجيل : 03/11/2009
عدد المساهمات : 22

فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Empty
مُساهمةموضوع: رد: فــــــــــــــــــــى بـــــــــــــطـــــــــــن الحــــــوت ــــــ د_ مــحــمـــد العــــريـــــــــــفــــــــــى   فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Icon_minitimeالخميس ديسمبر 03, 2009 9:57 pm

موضوع جميل جدا وربنا يجزيك خيرا على ذلك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nganga
Admin
Admin
nganga


تاريخ التسجيل : 27/09/2009
عدد المساهمات : 670
العمر : 34
القسم : مدنى عام
البلد : المنصورة
فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى E8s7dt10


فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Empty
مُساهمةموضوع: رد: فــــــــــــــــــــى بـــــــــــــطـــــــــــن الحــــــوت ــــــ د_ مــحــمـــد العــــريـــــــــــفــــــــــى   فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Icon_minitimeالخميس ديسمبر 03, 2009 10:03 pm

فــــــــــــــــــــى   بـــــــــــــطـــــــــــن  الحــــــوت ــــــ  د_  مــحــمـــد  العــــريـــــــــــفــــــــــى Rdd46ja4
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فــــــــــــــــــــى بـــــــــــــطـــــــــــن الحــــــوت ــــــ د_ مــحــمـــد العــــريـــــــــــفــــــــــى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الســعـــيد أبــوالنجـــــا :: الاقسام العامه :: المنتدى الاسلامى-
انتقل الى: