من مجموعة (تاكسى) -
رجل فى الخمسين من العمر.. متأنق الهندام.. حليق الذقن.. عطر الرائحة.. صوته عميق وهادئ.. كاهن بوذى أو زاهد فى الصحراء أو يمكن أن يكون قديسا فى ديرنا.
كنا نسير بسيارته النظيفة أمام جامعة القاهرة ونتحدث عن المبانى القبيحة التى تم إنشاؤها أمام كلية التجارة وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فإذا به يقول لى..
السائق: كل حاجة فى الدنيا دى لها جمالها.. يكفى إنك تفتح قلبك عشان تشوف الجمال اللى حوالينا.. لكن لو إنت زى معظم الناس مقفل قلبك ح تشوف النور اللى بيضوى حواليك إزاى؟ إحنا فى مصر فى نعمة كبيرة.. بلد من أجمل وأعظم بلاد العالم وإنت عايش فيها، ولما تفتح قلبك حتشوف فى مصر حاجات ما حصلتش.. ده يكفى النيل.. النيل ده زى ما بيدينا ميه علشان نشرب وناكل ممكن كمان يغسل روحنا، النظر إلىه يطَّهَر قلبك.
أنا بقالى تلاتين سنة مقسم اليـوم لتـلات ورديـات ورديـة باشتغـل على التاكسى ووردية أقعد فيها مع مراتى وعيـالـى وورديـة أقعد اصطاد فى النيل، وأغسل روحى وجسمى وعينى.. وعلى صفحة النيل باقرأ كلمات ربنا.. بعد الأربع ساعات دول بابقى حاسس إنى شفاف وإن ربنا معايا وماسك إيدى عشان ماخافش غير منه. لو كل واحد فى البلد دى قعد يبص لصفحة المياه ح تبقى حياتنا حاجة تانية خالص.. مش ح يبقى فيه فساد ولا رشوة، لأن الإنسان الطاهر ما يقدرش يعمل حاجة غلط.
أنا كل يوم بأخلص وردية التاكسى وأنا خايف.. خايف على ولادى وخايف من المستقبل وخايف من الدنيا وبعد ما أخلّص وردية الصيد ببقى كلى أمل، أمل فى بكرة وثقة إنه كل شىء ح يبقى تمام وإن ربنا مش ممكن ح ينسانا. ده مصر مذكورة فى القرآن وإحنا جند الله.. إزاى بقى ح ينسانا.. مش ممكن.
كان يتحدث معى بصوته العميق الرخيم، صـوت يشبه كثيرا صـوت كبير عـائلـة «عبدالرسول» فى فيلم المومياء لشادى عبدالسلام، صوته يبدو لك أنه لا يصـدر عن الشخص المتحدث ولكنه يصدر مباشرة من اللـه عـز وجـل.. كلمـات بـها إيمان عميق نابع من القلب.. إيمان حقىقى بجوهر الحقائق وليس بأشكالها المصطنعة.
سوف أتذكر دائما هذا الرجل الجميل كلما تأملت صفحة النيل.. وسوف أتذكر دائما أن كل شعور بالخوف سوف يلحقه شعور بالأمل فى غد أفضل.
وسوف أتذكر كذلك اسمه الذى سألته عنه قبل مغادرتى السيارة: